التسبيح هو التمجيد والتنزيه واستحضار الصفات الحسنى لله ، والحياة بين إشعاعاتها وإشراقها ومذافاتها بالقلب والشعور ، وليست هي مجرد ترديد لفظ : سبحان الله ! والله الذي خلق كل شيء فسواه ، فأكمل صنعته ، وبلغ به غاية الكمال الذي يناسبه ..والذي قدر لكل مخلوق وظيفته وغايته فهداه إلى ما خلق لأجله ، وألهمه غاية وجوده ، وقدر له ما يصلحه مدة بقائه ، وهداه إليه أيضاً
(والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى )
والمرعى كل نبات ويخرج في أول أمره خضراً ، ثم يذوي فإذا هو غثاء ، أميل إلى السواد فهو أحوى ، وقد يصلح أن يكون طعاماً وهو أخضر ، ويصلح أن يكون طعاماً وهو غثاء أحوى . والإشارة إلى حياة النبات توحي بأن كل نبت إلى حصاد وأن كل حي إلى نهاية وهي اللمسة التي تتفق عن الحديث عن الحياة الدنيا والحياة الأخرى ...والحياة الدنيا كهذا المرعى ، الذي ينتهي فيكون غثاء أحوى ..والآخرة هي التي تبقى .
(سنقرئك فلا تنسى )
تبدأ البشرى برفع عناء الحفظ لهذا القرآن والكد في إمساكه عن عاتق الرسول – صلى الله عليه وسلم _ فعليه القراءة يتلقاها عن ربه ، وربه هو المتكفل بعد ذلك بقلبه ، فلا ينسى ما يقرئه ربه . وهي بشرى لأمته من ورائه ، تطمئن إلى أصل هذه العقيدة . فهي من الله . والله كافلها وحافظها في قلب نبيها .وهذا من رعايته سبحانه ، ومن كرامة هذا الدين عمده ، وعظمة هذا الأمر في ميزانه .
(فذكر إن نفعت الذكرى )
الذكرى تنفع دائماً ، ولن تعدم من ينتفع بها ولن يخلو جيل ولن تخلو أرض ممن يستمع وينتفع ، مهما فسد الناس وقست قلوبهم وران عليها الحجاب .
فذكر إن نفعت الذكرى
قد يفهم بعضنا هذه الآية لأول وهلة بشكل خاطئ فيقول: إن نصائحي لم تفد ولم تأت بخير. أو يقول: لقد أسديت النصح لفلان خمسن مرة ولكنه لم ينتفع. ثم يتوقف بناء على ذلك عن إسداء النصح والإرشاد لمن هو مسؤول على نصحهم وإرشادهم. وكأن الآية جعلت الاستمرار في التذكير مشروطا باستجابة الناس للتذكير وانتفاعهم به. بينما الحقيقة التي تشير إليها هذه الآية حقيقة أخرى مغايرة تماما لهذا الفهم. إنها تعلِّم كل من كان منا مسؤولا عن التذكير والإرشاد والنصح (كلٌّ بحسب موقعه في المجتمع) أن يقوم بواجبه اتجاه من هو مسؤول عنهم. وتقول له: إن كان تذكيرك صحيحا ومفيدا في حد ذاته فداوم عليه. فالآية من هذا المنظور لا تفيد التقييد، بل تفيد تأكيد هذه المهمة وهذا التكليف. إذن نستطيع أن نقول استنادًا إلى هذه الآية: انصح لأنه لا بد أن تكون هناك فائدة من النصيحة. فالنصيحة الصحيحة مفيدة بالقوة وإن لم يتحقق نفعها لأشخاص معينين بالفعل. نتحدث هنا طبعا عن النصيحة الصحيحة، وهي المستوفية لشروط النصح وآدابه. أما استفادة السامعين أو عدم استفادتهم فموضوع آخر مستقل. خاصة وأن قوله تعالى "إن نفعت الذكرى" يعتبر إشارة إلى أن النفع أمر محتمل؛ فالبعض قد لا ينتفع بالإرشادات والنصائح. لذا كان من الضروري معرفة هذه الحقيقة منذ البداية حتى لا يقع الناصح في اليأس والقنوط، وحتى لا يتدخل في أمور هي خارج مهمته ووظيفته بأن يحاول مثلا إلزام الناس بنصائحه وإرشاداته. فقد قال الله عز وجل لأفضل ناصح ومرشد توجه إلى الناس بأفضل النصائح والإرشادات التي استوفت كافة شروط النصح والإرشاد وآدابهما: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء". فمهمة كل ناصح منا هي النصح، والنصح فقط.
(ويتجنبها الأشقى )
يتجنب الذكرى فلا يسمع لها ولايفيد منها فهو إذن الأشقى في الدنيا بروحه الخاوية الميتة ، التي لاتحس حقائق الوجود ولاتسمع شهادتها الصادقة .