سورة العلق هي سورة مكية، أول سورة نزلت على النبي محمد في السنة الثالثة عشر قبل الهجرة. مطلع هذه السورة هو أول ما نزل من القرآن باتفاق، هناك تناسقاً بين أجزاء السورة، وتسلسلا في ترتيب الحقائق التي تضمنتها مما يجعل السورة كلها متماسكة.
﴿أقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان مالم يعلم﴾
إنها السورة الأولى من هذا القرآن، فهي تبدأ باسم الله، وتوجه الرسول أول ما توجه، في أول لحظة من لحظات اتصاله بالملأالأعلى، وفي أول خطوة من خطواته في طريق الدعوة التي اختير لها.
توجهه إلى أن يقرأ باسم الله ﴿أقرأ باسم ربك﴾ وتبدأ من صفات الرب التي بها الخلق والبدء : (الذي خلق).
ثم تخصص : خلق الإنسان ومبدأه : ﴿خلق الإنسان من علق﴾ ... من تلك النقطة الدموية الجامده العالقه بالرحم. من ذلك المنشأ الصغير الساذج التكوين. فتدل على كرم الخالق فوق ما تدل على قدرته. فمن رفع هذا العلق إلى درجة الإنسان ؟ وإنها لنقله بعيدة بين المنشأ والمصير. ولكن الله قادر وكريم.
وإلى جانب هذه الحقيقة تبرز حقيقة التعليم... تعليم الرب للإنسان (بالقلم) لأن القلم كان وما يزال أوسع وأعمق أدوات التعليم أثراً في حياة الإنسان. والله يعلم قيمة القلم فيشير إليه في أول لحظة من لحظات الرسالة الأخيرة للبشرية.
ثم تبرز مصدر التعليم.. إن مصدره هو الله منه يستمد الإنسان كل ما علم، وكل ما يعلم وكل ما يفتح له من أسرار هذا الوجود، ومن أسرار هذه الحياة، ومن أسرار نفسه. فهو من هناك. من ذلك المصدر الواحد، الذي ليس هناك سواه. وكل أمر. كل حركه. كل خطوه. كا عمل باسم الله، وعلى اسم الله. باسم الله تبدأ. وباسم الله تسير وإلى الله تتجه، وإليه تصير.
ولقد كان من مقتضيات تلك الحقيقة : حقيقة أن الله هو الذي خلق. وهوالذي علم. وهو الذي أكرم. أن يعرف الإنسان ويشكر. ولكن الذي حدث كان غير هذا، وهذا الانحراف هو الذي يتحدث عنه المقطع الثالث للسورة : ﴿كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغني * إن إلى ربك الرجعي﴾ إن الذي أعطاه فأغناه هو الله. ولكن الإنسان لايشكر حين يعطى فيستغني. وحين تبرز صورة الإنسان الطاغي الذي نسي نشأته وأبطره الغني، بجيء التعقيب بالتهديد الملفوف : ﴿إن إلى ربك الرجعي﴾ ، وهنا تبرز قاعدة أخرى من قواعد التصور الإيماني. قاعدة الرجعة إلى الله في كل حركه وفي كل أمر وفي كل نيه، ليس هناك مرجع سواه. إليه يرجع الصالح والطالح والطائع والعاصي والمحق والمبطل والخير والشرير. والغني والفقير... وإليه يرجع هذا ﴿الذي يطغى أن رآه أستغنى﴾ ألا إلى الله تصير الأمور... ومنه النشأة وإليه المصير...
وهكذا تجتمع أطراف التصور الايماني.. الخلق والنشأة. والتكريم والتعليم.. ثم..الرجعة والمآب لله وحده بلا شريك : ﴿إن إلى ربك الرجعى﴾.
ثم يمضي المقطع الثالث في السورة القصيرة يعرض صورة من صور الطغيان. صورة مستنكرة يعجب منها ويفظع وقوعها في أسلوب قرآني فريد.
﴿أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى * أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى * أرأيت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن الله يرى﴾.
(أرأيت ؟) للتشنيع والتعجيب والاستنكار. ويجيء التهديد الملفوف (ألم يعلم بأن الله يرى ؟) يرى تكذيبه ونهيه للعبد المؤمن إذا صلى. ثم يجيء التهديد الحاسم الرادع، (كلا. لئن لم ينته لنسفعن بالناصية. ناصية كاذبة خاطئة. فليدع ناديه. سندع الزبانية).وفي ضوء هذا المصير الهيب تختم السورة بتوجيه المؤمن الطائع إلى الاصرار والثبات على إيمانه وطاعته. (كلا. لاتطعه، واسجد، واقترب).[1]